مسار الصياد المولود من الظلال - ولادة الظل - السيف الانفرادي
كان المشهد أمامه مختلفًا كليًا. لم يكن على الأرض. كان يطفو… لا، لم يكن يطفو، بل كان ينظر.
لشخصٌ يقف في السماء.
نعم، بكل معنى الكلمة، كان الرجل يقف فوق طبقات السحاب، بلا أجنحة، بلا دعم، وكأن الهواء ذاته كان أرضًا تحت قدميه. شعره الذهبي الطويل كان يتمايل برقة في الرياح، وعيناه الزرقاوان تلمعان بحدة كالثلج المضيء. وجهه كان وسيمًا، كان بارد و مهيب و عميقً، كان يرتدي قميصًا أسود بسيطًا، تعلوه عباءة سوداء ترفرف من خلفه، وعلى ظهره سيف، مغطى بغمد فضي تتخلله خطوط متوهجة كأنها شرايين من طاقة حية.
خطا الرجل خطوة واحدة فقط.
وفجأة، المشهد انقلب كليًا.
وجد كريستوفر نفسه يرى الآن من الأعلى سلسلة جبال عظيمة تمتد كأنها عملاق نائم. الصخور كانت حادة، والغيوم تتخلل القمم، كان الشعور بالقوة الكامنة في ذلك المكان جعل قلبه يرتجف.
تقلصت عينا كريستوفر من الصدمة. لم يستطع الآن يفكر و يطرح سؤالاً. كيف؟ ما هذه السرعة؟ من هذا الشخص؟ وما الذي يراه الآن؟
لم تمر سوى لحظة… لحظة واحدة فقط، والرجل انتقل من مكان إلى آخر كما لو أن قوانين العالم لا تعنيه.
بينما كان الرجل ذو الشعر الذهبي يقف فوق سلسلة الجبال، بدأ في تحريك يديه برفق، أولًا إلى الأعلى، ثم جمعهما معًا في حركة هادئة وثابتة. كان وجهه جادًا، كما لو كان يستدعي شي.
“السيف الذهبي.”
همس بالكلمات، بهدوء. وفي تلك اللحظة، بدأ الهواء حوله يهتز، وتناثرت شرارات ضوء ذهبي حوله. سرعان ما تشكلت خلفه تعويذة مقدسة، أشعة من النور تتراقص على جسده، كما لو أن السماء بأسرها كانت تستجيب له.
ثم، فجأة، تمزق الهواء، وخرج منه ثلاث سيوف ذهبية ضخمة، تتلألأ بأشعة متوهجة. كانت السيوف تتجه مباشرة نحو الأرض، قاطعة المسافة بلمح البصر، وهي تتدفق عبر السماء والغيوم الكثيفة التي كانت تحجب ما تحت الجبال. وحين اخترقت السيوف الذهبية السحب و اختفت، حدث ما لم يكن متوقعًا.
الغيوم انشقت، وتكشف ما كان مخفيًا في الأسفل.
جثة وحشٍ عملاق كانت ملقاة عند سفح سلسلة الجبال، وقد بدا كأنه لم يُقتل… بل أُسقط من عالم آخر.
كان الوحش يشبه تنينًا، لكن ليس كأي تنين تقليدي. رأسه الهائل يحمل ستة قرون منحنية للخلف كتيجان مكسورة، وأنيابه الطويلة لا تزال مغروسة في صخرٍ تشقق من عنف موته. عيناه المتجمدتان منفتحتان، تحدقان نحو السماء دون حياة، وكأنهما لا تزالان تتساءلان كيف انتهى به الأمر ميتًا. جناحاه، الممزقان بالكامل، كانا ممتدين على جانبي الجبل، يغطيان مساحة هائلة كأنهما ظلّان للعالم القديم.
لكن أكثر ما جذب نظر كريستوفر هو الظهر.
ظهر الوحش كان مشققًا، مفتوحًا بجرح دائري ضخم، كأن نيزك اخترقه من السماء. الدم، بلونه الأرجواني الداكن، لا يزال يتسرب ببطء من الفتحة، ويتجمع أسفله في بحيرة صغيرة تلمع بخفوت قاتم. العظام ظهرت بوضوح داخل الشق، ملتوية كأنها انفجرت من الداخل.
كان الجسد أشبه بجبل نُزع منه قلبه. مشوه، محروق، ومليء بآثار معركة لا يمكن تخيلها.
لكن الرعب لم يأتِ من الوحش نفسه… بل من ما كان فوقه.
رجلٌ كان جالسًا بهدوء فوق الجثة، ومع أن الفرق بالحجم جعله يبدو كنملة على جسد بشري، إلا أن حضوره الطاغي جعل كل شيء آخر يتلاشى.
كان يرتدي معطفًا أسود عليه كلمة الوحدة بلون الذهبي، ومع أنه في وضع الجلوس، إلا أنه كان يبعث إحساسًا بالقوة والسلطة المطلقة. في يده اليمنى حمل بندقية طويلة مغطاة برموز بنفسجية. أما يده اليسرى فكانت تمسك فأسًا ضخمًا، رأسه مشوه بالكثير من الرموز المظلمة التي تلمع وكأنها جزء من طاقة قاتمة. كان وجهه مغطا بقناع اسود يغطي الجزء السفلي من وجهه، وشعره أسود قصير، لكن نظرته كانت تخترق القلب.
من فوق، نظر الرجل ذو الشعر الذهبي إلى الرجل الجالس على الوحش وقال بصوت هادئ:
“الصياد السماوي… الوحدة العظيمة… لقد وجدتك.”
رفع الرجل الجالس على الوحش رأسه ببطء، وعيناه الحادتان تركزان على الرجل في السماء. عينيه كانت غارقة في الهدوء. وبهدوء تام، ردّ قائلاً:
“هممم، لقد تأخرت… ظننتك لن تأتي، لكن بما أنك هنا، لما لا تبقى؟”
وقف الرجل الجالس فوق الوحش بهدوء، و منه انبثقت هالة قوية جعلت العالم من حوله ينحني. رفع حاجبيه ببرود، وعيناه تلمعان بنية قتل، وقال وهو يرفع بندقيته نحو الرجل ذو الشعر الذهبي:
“لم اصطاد قديسًا منذ فترة…”
بووووم!
انطلقت رصاصة اخترقت السماء متجهة إلى الرجل ذي الشعر الذهبي.
نظر الرجل ذو الشعر الذهبي إلى هذا المشهد وكأنه كان يتوقع حدوثه، ثم سحب سيفه من غمده وقال بصوت هادئ:
“إذاً… من فضلك، جرّب سيفي.”
رفع سيفه، فاشتعل بنورٍ ذهبي مبهر، وخرجت منه نية سيف عظيمة تحولت إلى وهجٍ ذهبي، انطلقت بسرعة البرق نحو الرصاصة القادمة.
عندها… ظهرت رسالة في ذهن كريستوفر:
[ هل تريد نسخ تقنية السيف الانفرادي للقديس؟]
تجاهل كريستوفر الرسالة التي ظهرت في ذهنه، أو ربما لم يستطع حتى التفكير فيها وسط ما كان يراه. عينيه ظلّتا متسعتين، متسمّرتين على المشهد أمامه، على التصادم بين وهج السيف ونيران الرصاصة التي بدت وكأنها تشق السماء إلى نصفين.
ثم حدث الانفجار.
ومع الانفجار… انقطع المشهد.
العالم انهار مثل مرآة حطّمها حجر، واختفى الرجلان، الوحش، السماء، وكل شيء.
ثم… صمت.
وجد كريستوفر نفسه واقفًا مجددًا في المساحة المظلمة، وكأن شيئًا لم يكن. لا صوت، لا إحساس بالوقت. فقط هو… والظلام… ونجمين أمامه.
كان قلبه لا يزال ينبض بسرعة، وعيناه مذهوله مما رأه قبل قليل. رفع رأسه نحو النجمين الباقيين. المشهد الذي شاهده لا يزال عالقًا في ذهنه، يهزه من الداخل.
ثم، بهدوء، أغلق عينيه.
[هل تريد نسخ تقنية السيف الانفرادي للقديس؟]
ظهرت الرسالة مجددًا.
تنفس ببطء، ثم تمتم: “نعم.”
وفور نطقه بالكلمة، تدفقت موجة من المعلومات إلى ذهنه.
حين انتهى كل شيء، فتح عينيه. النجمتان أمامه لا زالتا تتوهجان في الظلام… لكنه لم يلتفت إليهما.
بل تساءل بصوت مسموع، وكأنه يحاول فهم ما رأى للتو:
“من… من كان ذلك الصياد؟ وذلك القديس؟”
تردد صدى صوته في الفراغ من حوله، ولم يجب أحد.
ثم عبس ببطء، وهمس:
“هل يمكن أن يكونا من الرتبة الخامسة… أو حتى السادسة؟ لا ربما أعلى.”
تخيل القوة التي جعلت الهواء ينحني، والسماء تتمزق، و الوحش الشبيه بالتنين يسقط. ارتجف قلبه.
أخفض كريستوفر رأسه ببطء، ثم تمتم:
“حتى لو عرفت، لن يفيدني بشيء.”
مرّت لحظة صمت، قبل أن يهمس مجددًا:
“أهم شيء الآن هو أنني حصلت على التقنية التي ستكون جائزة المهمة لرايفن هارت كول.”
لكنه سرعان ما عبس، و فكر.
“حتى لو نجح، كيف سأحصل على الموارد؟”
حك رأسه، وبدأ يتمتم:
“هممم… مسألة مزعجة…”
ثم تنهد، وأدار نظره نحو الفراغ.
“لا بأس… سأفكر في هذا لاحقًا. إذا نجح، سيكون لدينا وقت للتفكير في حلول.”
بعدها، مشى كريستوفر نحو النجم الأحمر، وما إن لمسه حتى شعر وكأنه يسحب في دوامة. أظلمت رؤيته.
ما إن فتح عينيه، وجد نفسه أمام رجل يقف في وسط فناء منزل، يلوح بسيفه ويتمرن. كان رجلًا ذو شعر أسود قصير، وجهه وسيم وصارم، وجسمه العلوي عارٍ عدا سرواله الأسود. بيده كان يحمل سيفه، يلوح به في الهواء كما لو كان يتدرب على مهارات السيف. كان ذلك رايفن هارت كول.
نظر كريستوفر إلى الرجل للحظة، ثم فكر في نفسه: همم، يبدو أنه استقر أخيرًا.
رفع كريستوفر يده وقال في قلبه: حان وقت التظاهر. أغمض عينيه وبدأ يتخيل. فجأة، بدأت الظلال تتحرك، وتغطي الفناء بأكمله. تحول كل شيء من حوله إلى الظلام الدامس، وبدأت الظلال تتراكم أمام رايفن هارت كول.
ثم، ظهر رجل جالس على كرسي فخم مغطى بالظلال و الظلام، شابكًا يديه أمامه بكل هدوء. قال بصوت مغناطيسي هادئ: “أهلاً أيها التاج الأسود، نلتقي مرة أخرى.”
شعر رايفن هارت كول بصدمه، لكنه استوعب الوضع بسرعة. من يقف أمامه؟ هذا الصوت، هذا المظهر… وأخيرًا، فهم من هو.
وضع يده اليمنى على صدره، وانحنى بتقدير واحترام، قائلاً: “المعذرة، أيها السيد القيصر.”