عصر النار والدم - ولادة الدم - الفصل الثالث: كائنات بيضاء
الفصل الثالث: كائنات بيضاء
في الليل ذهب فيراك ووالده إلى بيت زعيم القرية. كانت القرية تعج بالحياة، خاصة في هذا الوقت.
دخل ثنائي الزوج والابن من المدخل الرئيسي, حيث كان هناك رجلان يرتديان الفراء يقفان على جانبي الباب. كان يُسمع صوت الضحك والموسيقى من الخارج، وعند الدخول يمكن رؤية الناس يرقصون.
على منصة كبيرة نسبيا، بعضهم يبدون مخمورين وبعضهم كانوا يجلسون فقط على الطاولة الكبيرة يأكلون بسلام.
نظر فيراك إلى الأمام ورأى طاولة كبيرة في نهاية الغرفة، حيث كان ريتشارد والصبي من عائلة مونرو يجلسان . بجانبهم كان هناك بعض كبار السن. بالإضافة إلى عدد قليل من الفرسان الذين يقفون خلفهم.
والد فيراك، دوران كان من أولئك الأشخاص الذين لا يحبون أن يكونوا في الأضواء تمامًا مثل ابنه، لم يتفاعل الاثنان مع الكثير من الناس، فقط ألقوا التحيات على عدد قليل من الأفراد.
بينما كانوا يجلسون على الطاولة ويتناولون الطعام لاحظ فيراك شيئًا من طرف عينه، نظر ورأى ذلك الفتى النبيل يحدق بهم. ألقى نظرة على والده ورأى أنه لم يلاحظ ذلك.
أعاد نظره إلى الصبي وركز بعمق، مدركًا أنه كان ينظر إلى والده بالتحديد كان رأسه مليئا بالأسئلة لكنه لم يجد لها أي إجابات.
عاد فيراك ووالده إلى المنزل بعد الحفلة. كان جسده مرهقا من الصيد والضوضاء في الحفلة لدرجة أنه ذهب للنوم دون تناول العشاء، وهو أمر نادر الحدوث.
استيقظ في اليوم التالي مليئا بالطاقة، ذهب وتناول الإفطار، ثم غادر المنزل. لا يزال لديه العديد من الأسئلة لكنه كان يعلم أنه لن يتمكن من العثور على إجابات لها، لذا دفعها بعيدا عن ذهنه.
جسد فيراك قد تغير منذ العام الماضي: أصبح الآن في العاشرة من عمره. لقد نمت العضلات في جميع أنحاء جسده، وزاد طوله. مظهره يوحي بأنه كان في بداية المراهقة، وليس طفلًا في العاشرة من عمره.
تحسنت مهاراته في الصيد أيضا: فقد شاهد وتعلم كيفية صيد السمك من بعض أكثر الرجال مهارة في القرية. فخاخه وطرق صيده قد تحسنت ايضًا. لكن اليوم كان لديه صيد مثير.
….
جلس فيراك في العشب الكثيف وانتظر فريسته، بعد العديد من المحاولات لصيد هذا الحيوان بالذات، بدأ يفهم سلوكه، كان لدى الخنزير البري حاسة شم ممتازة قادرة على اكتشاف الروائح من على بعد أميال، وسمعه كان حادًا بشكل لا يصدق كان يمكنه سماع أدنى تردد في الصوت، حتى وإن كان نفسًا خفيفًا ومع ذلك كان لديه ضعف قاتل، ألا وهو أنه لا يستطيع الرؤية.
هذا ما أعتمد عليه فيراك، كان قد غامر بالفعل في عمق الغابة، حيث كان هادئًا لدرجة أن صوت الرياح بالكاد كان مسموعًا. نثر بعض اللحم الفاسد لإخفاء رائحته عن الخنزير البري ووضع بعض الطعام على الفخ الحديدي، حتى إذا اقترب الخنزير ينقض عليه بسهولة. انتظر فيراك لفترة طويلة حتى كاد يغفو وعندها سمع فجأة خطوات.
رفع رأسه قليلاً ورأى خنزيراً برياً بفرو أبيض، مع خطوط بلونٍ أحمر خفيف يمتد على طول هذا الفرو. كان الخنزير البري يشم الروائح من حوله لكن لحسن حظ فيراك، شم رائحة اللحم الفاسد بدلا منه. هذا جعله يستمر في السير حتى وقف مباشرة أمام الفخ.
حبس فيراك أنفاسه لتجنب اكتشافه من قبل الخنزير البري، قائلاً في نفسه ‘هيا، أنزل رأسك لتأكل’ توقف الخنزير البري للحظة, كما لو كان هناك شيء لم يفهمه. نظر إلى الطعام وفحصه عن كثب، كما لو كان يستطيع الرؤية. وبقي في تلك الوضعية لفترة من الوقت.
كان فيراك واقفًا على أطراف أصابعه، حابسًا أنفاسه وهو ينتظر أن يخفض الخنزير البري رأسه قليلاً. كاد صبر فيراك ينفد حتى صرخ بصوت عال، “تبا، فقط اخفض رأسك قليلاً!” غطى فمه بسرعة مندهشً لكن الخنزير البري قد سمع ذلك، وهرب هذا الأخير من المكان بسرعة.
تصاعد الغضب داخل فيراك، حاول عدة مرات الإمساك بهذا الخنزير البري، لكنه في كل مرة تمكن من الهروب بطريقة ما، كما لو كان يشعر بالفخ الذي في انتظاره.
خرج فيراك من مخبأه وتبع آثار الخنزير البري بفكرة واحدة في ذهنه: ‘ هذه المرة, لن أستسلم كما في السابق، لن أعود والخنزير اللعين لا يزال على قيد الحياة’
بدأ الأمر يتحول لأمر شخصي بينه وبين هذا الخنزير البري وكأنها عداوة استمرت لسنوات.
بينما كان فيراك يتبع آثار الخنزير. بدأ يتوغل أعمق في الغابة أصبحت الأشجار كثيفة لدرجة أن ضوء الشمس كافح لاختراقها.
بدأ فيراك يشعر بالخوف لأنه كان يعلم أنه كلما تعمق في الغابة، زادت فرص مواجهة وحوش خطيرة من الصعب حتى تخيلها.
بعد فترة قصيرة، رأى فيراك الخنزير البري من بعيد، اختبأ في العشب الطويل القريب منتظرًا اللحظة المناسبة للانقضاض على الخنزير قائلا لنفسه ‘ أخيرا، سأقضي على هذا الخنزير اللعين, أمل ان يكون مذاقك يستحق كل هذا العناء’.
ومع ذلك، كان هناك شيء جعل فيراك يتساءل.
لم يتحرك الخنزير البري، لم يتحرك على الإطلاق ولم يظهر أي علامات على الحياة. كان كتمثال خشبي، لم يكن هناك نفس، ولم تتحرك فيه ولو عضلة واحدة.
ظهر فيراك من مكان اختبائه وتحرك ببطء نحو الخنزير البري، وعندما اقترب بما يكفي ليلمسه، رأى أنه لم يكن يتنفس أو يتحرك ولو قليلًا، كما لو كان ميتاً. كان فيراك سعيدًا جدًا عندما رأى ذلك؛ فلن يحتاج إلى قتله الان، لأنه كان ميتًا بالفعل!.
كان فيراك على وشك سحب خنجره لقطع جلد الخنزير البري عندما انشطر جسده فجأة وسقط على الأرض.
قفز فيراك إلى الوراء خوفًا وعيناه مفتوحتان على مصراعيهما. سحب سكينه على الفور وبدأ ينظر حوله برعب .
معتقدًا أن وحشا قد قتل الخنزير البري وأنه سيكون التالي. لكن ما فاجأه أكثر هو عندما سمع صوتا قادمًا من داخل جسم الخنزير البري، بدا وكأنه شيء يُقطع من داخله.
تزايد الخوف داخل فيراك وهو يمسك بسكينه بإحكام. اقترب من جثة الخنزير. مع كل خطوة خطاها، كان الخوف ينمو بداخله. لاحظ أن هناك أشكالًا تتحرك داخله .
وقف مباشرة أمام جسده. يتفحص الخنزير المقطوع. فجأة رأى شيئًا أبيض يخرج من جسده البري. في البداية، الشكل الذي ظهر بدا وكأنه كرة بيضاء لكن سرعان ما اتضح أنه كان لها ذراعان وساقان، يشبه إنسانا مصغرا ولكنه أبيض بالكامل.
ظهرت العديد من هذه الكائنات البيضاء التي لا يزيد ارتفاعها عن 20 سنتيمترا، حوالي 15 منها في المجموع. على الرغم من انهم خرجوا من جسد مليء بالدم، كانت أجسادهم بيضاء كالثلج. ومع ذلك، ما أرعب فيراك حقًا هو عندما التفتت هذه المخلوقات إلى جسد الخنزير البري، وبدأت تأكله!.
لم تستطع ساقا فيراك حمله من هول المنظر أمامه. المخلوقات البيضاء الصغيرة التي قد يظن المرء للوهلة الأولى أنها كائنات لطيفة ومسالمة كانت الآن تلتهم جسد خنزير بري نيئًا. انقضت على لحم الخنزير البري كما لو لم يأكلوا منذ أسابيع: لم يتبق سوى العظام من جسده.
الكائنات البيضاء قد استهلكت جسد الخنزير البري، لكنها احتفظت بقلبه ورئتيه. حملوا هذه الأعضاء وبدأوا يتوغلون في عمق الغابة، كما لو كانوا عائدين إلى المنزل بكنوز أو شيء من هذا القبيل.
كان عقل فيراك لا يزال يفكر بما رآه، كانت عيناه مفتوحتين على مصراعيهما، وكانت يديه ترتجفان من الخوف لدرجة أنه لم يستطع الإمساك بالسكين بشكل صحيح.
جمع فيراك كل شجاعته وقوته العقلية ووقف على قدميه، أول شيء لاحظه كان عظم الخنزير البري: لم يكن هناك قطرة دم واحدة أو حتى قطعة لحم صغيرة متبقية عليها، كما لو كانت بقايا حيوان نسّي هنا لآلاف السنين.
كان عقل فيراك مليئًا بالأسئلة حول هذه المخلوقات. كان معروفًا بحبه للقراءة؛ لم يكن هناك كتاب في منزله لم يقرأه على الأقل عدة مرات. الكتابان اللذان قرأهما أكثر من غيرهما هما “دليل السحر” و”علم الأصول في الأرض الشاسعة”، على وجه الخصوص، كان قد قرأ هذا الأخير عدة مرات.
ناقش الكتاب تاريخ قارة أزفورث مشتملا على كل شيء من الأعراق والمخلوقات الموجودة في القارة إلى الحروب والأحداث الهامة التي وقعت هناك. هذا الكتاب قد كُتب من قبل العديد من العلماء المشهورين في القارة، والمسافرين الذين قدموا الكثير من المعلومات فيه.
ومع ذلك، لم يكن هناك أي وصف للمخلوقات البيضاء الصغيرة أو حتى أي مخلوقات مشابهة. كان فيراك شخصًا شجاعًا في كثير من الأوقات، ولم يكن هناك شي يخيفه، في القرية على الأقل . لم يكن هناك أي وسيلة ليعود من حيث أتى، حتى أنه لم يجد الطريق الذي أتى منه، لم يكن لديه حل آخر سوى السير في أي طريق، لعل وعسى أن يجد مخرجًا.
بعد ذلك، سلك فيراك طريق ما، ظنًا منه أنه قد يؤدي إلى القرية أو على الأقل خارج هذه الغابة. ولكن لم يكن يعلم أنه يتوغل أعمق في الغابة.